فصل: تفسير الآية رقم (23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (23):

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}
أمَرَ بإفراده- سبحانه- بالعبادة، وذلك بالإخلاص فيما يستعمله العبدُ منها، وأن يكون مغلوباً باسيلاء سلطانِ الحقيقةِ عليه بما يَحْفَظُه عن شهودِ عبادته.
وأَمَرَ بالإحسان إلى الوالدين ومراعاةِ حقِّهما، والوقوفِ عند إشارتهما، والقيام بخدمتهما، وملازمة ما كان يعود إلى رضاهما وحُسْنِ عشرتهما ورعاية حُرْمَتهما، وألا يبديَ شواهدَ الكسلِ عند أوامرهما، وأن يَبْذُل المُكْنَةَ فيما يعود إلى حفظ قلوبهما هذا في حال حياتهما، فأمَّا بعد وفاتهما فبِصِدْقِ الدعاء لهما، وأداءِ الصَدَقَةِ عنهما، وحِفْظِ وصيتهما على الوجه الذي فَعَلاَه، والإحسان إلى مَنْ كان مِنْ أهلِ ودِّهما ومعارفهما.
ويقال إِنَّ الحقَّ أَمَرَ العبادَ بمراعاة حقِّ الوالدين وهما من جنس العبد.. فَمَنْ عجز عن القيام بحِّق جنسه أَنَّى له أن يقومَ بحقِّ ربه؟

.تفسير الآية رقم (24):

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}
{وَاخْفِضْْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} بحسن المداراة ولين المنطق، والبدار إلى الخدمة، وسرعة الإجابة، وترك البَرَمَ بمطالبهما، والصبر على أمرهما، وألا تَدَّخِرَ عنهما ميسوراً.

.تفسير الآية رقم (25):

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
إذا عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَ قلبِ عبدٍ أَمَدَّه بحسن الأمجاد، وأكرمه بجميل الامتداد، ويَسَّر عليه العسيرَ من الأمور، وحفظه عن الشرور، وعطف عليه قلوب الجمهور.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}
إيتاءُ الحقِّ يكون من المال ومن النَّفْس ومن القول ومن الفعل، ومَنْ نَزَل على اقتضاء حقِّه، وبذل الكُلَّ لأجل ما طالبه به من حقوق. فهو القائم بما ألزمه الحقُّ سبحانه بأمره.
والتبذيرُ مجاوزةُ الحدِّ عمَّا قدَّره الأمرُ والإذنُ. وما يكون لحظِّ النَّفْسِ- وإن كان سمسمة- فهو تبذيرٌ، وما كان له- وإن كان الوفاءَ بالنَّفْس- فهو تقصيرٌ.

.تفسير الآية رقم (27):

{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
إنما كانوا إخوانَ الشياطين لأنهم أنفقوا على هواهم، وجَرَوْا في طريقهم على دواعي الشياطين ووساوسهم، ولمَّا أفضى بهم ذلك إلى المعاصي فقد دعاهم إخوانَ الشياطين.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
إن لم يُسَاعِدْكَ الإمكانُ على ما طالبوكَ من الإحسان فاصْرِفْهم عنكَ بوعدٍ جميلٍ إن لم تُسْعِفهم بنقدٍ جزيل.. وإنَّ وَعْدَ الكرام أَهْنأُ من نقد اللئام.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}
لا تُمْسِكْ عن الإعطاء فَتُكْدِي، ولا تُسْرِفْ في البذلِ بكثرة ما تُسْدِي، واسْلُكْ بين الأمرين طريقاً وَسَطاً.

.تفسير الآية رقم (30):

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}
إذا بَسَطَ لا تَبْقَى فاقة، وإذ قبض استنفد كلَّ طاقة.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
مَنْ عَرَفَ أَنَّ الرازقَ هو الله خفَّ عن قلبه همُّ العيال- وإنْ كَثُروا، ومن خفي عليه أنه قَسَّمَ- قبل الخَلْقِ- أرزاقَهم تطوح في متاهات مغاليطه، فيقع فيها بالقلب والبَدَنِ ثم لا يكون غير ما سبق به التقدير.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}
ترَّجحَ الزنا على غيره من الفواحش لأن فيه تضييعَ حُرْمَةِ الحقِّ، وهتكَ حُرْمَةِ الخلْق، ثم لِمَا فيه من الإخلال بالنَّسَبِ، وإفسادِ ذات البين من مقتضى الأَنَفَةِ والغضب.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
لا يجوز قَتْلُ نَفْسِ الغير بغير الحق، ولا للمرء أن يقتل نَفْسَه أيضاً بغير الحق. وكما أنَّ قتلَ النَّفْس بالحديد وما يقوم مقامه من الآلات مُحَرَّمٌ فكذلك القَصْدُ إلى هلاكِ المرءِ مُحَرَّمٌ.
ومن انهمك في مخالفة ربه فقد سعى في هلاك نفسه. {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَانَاً}: أي تسلطاً على القاتل في الاقتصاص منه، وعلى معنى الإشارة:
إلى النصرة مِنْ قِبَلِ الله: ومنصورُ الحقِّ لا تنكسر سِنَانُه، ولا تطيشُ سِهَامُه.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)}
لمَّا لم يكن لليتيم مَنْ يهتم بشأنه أَمَرَ- سبحانه- الأجنبيَّ الذي ليس بينه وبين اليتيم سَبَبٌ أَنْ يتولَّى أمرَه، ويقومَ بشأنِ، وأوصاه في بابه؛ فالصبيُّ قاعد بصفة الفراغ والهوينى، والوليُّ ساع بمقاساة العَنَا.
فأَمْرُ الحقِّ- سبحانه- للوليِّ أَحْظَى للصبيِّ مِنْ شفقةِ آلِه عليه في حال حياتهم.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}
كما تدين تدان، وكما تعامِلُ تُجازَى، وكما تكيل يُكَالُ لكَ، وكما تكونون يكون عليكم، ومَنْ وَفَى وفَوْا له، ومَنْ خان خانوا معه، وأنشدوا:
أسَأْنا فساءوا.. عَدْلٌ بلا حيفٍ ** ولو عَدَلْنا لَخُلِّصْنا من المِحَنِ

.تفسير الآية رقم (36):

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
إذا غَلَبتْ عليكَ مُجوّزَاتُ الظنونِ، ولم يُطْلِعْكَ الحقُّ على اليقين فلا تتكلف الوقوف عليه من غير برهان، وإذا أُشْكِلَ عليك شيءٌ من أحكام الوقت فارجعْ إلى الله، فإِنْ لاحَ لقلبك وَجْهٌ من الدليل على حَدِّ الالتباس فَكِلْ عِلْمَه إلى الله، وِقفْ حيثما وقفت.
ويقال الفرق بين من قام بالعلم وبين من قام بالحق أَنَّ العلماءَ يعرفون الشيءَ أولاً ثم يعلمون بعلمهم، وأصحابُ الحقِّ يجْرِي عليهم يحكم التصريف شيءٌ لا علِمَ لهم به على التفصيل، وبعد ذلك يُكشَف لهم وجهُه، وربما يجري على ألسنتهم شيءٌ لا يدرون وَجْهَه، ثم بعد فراغهم من النطق به يظهر لقلوبهم برهانُ ما قالوه، ودليلُ ما نطقوا به من شواهد العلم.
قوله: {إِنَّ السَّمَعَ وَالبَصَرَ} هذه أمانة الحق- سبحانه- عند العبد، وقد تقدم في بابها بما أوضحته ببراهين الشريعة.
ومَنْ استعمل هذه الجوارح في الطاعات، وصانها عن استعمالها في المخالفات فقد سَلَّم الأمانة علة وصف السلامة، واستحق المدحَ والكرامة. مَنْ دَنَّسَها بالمخالفات فقد ظهرت عليه الخيانة، واستوجب الملامة.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)}
الخُيَلاءُ والتجبُّر، والمدح والتكّبُر- كل ذلك نتائجُ الغيبة عن الذكر، والحجبة عن شهود الحقِّ؛ «فإنَّ اللَّهَ إذا تجلَّى لشيءٍ خشع له» بذلك وَرَدَ الخبر. فأمَّا في حال حضورِ القلبِ واستيلاءِ الذكر وسلطان الشهود. قالقلبُ مُطْرِقٌ، وحُكْمُ الهيبة غالِبٌ. ونعتُ المدحِ وصفةُ الزَّهْوِ وأسبابُ التفرقة- كل ذلك ساقط.
والناسُ- في الخلاص من صفة التكبر- أصنافٌ: فأصحابُ الاعتبار إِذْ عرفوا أنهم مخلوقونَ من نطلفةٍ أمشاج، وما تحمله أبدانهم مما يترشح من مسامهم من بقايا طعامهم وشرابهم.. تعلو هِمَمُهم عن التضييق والتدنيق، ويَبْعُدُ عن قلوبهم قيامُ أَخْطارٍ للأشياء، ولا يخطر على داخلهم إلا ما يزيل عنهم التكبر، وينزع عنهم لباس التجبُّر.
وأمَّا أرباب الحضور فليس في طلوع الحق إلا انخناس النَّفْس، وفي معناه قالوا:
إذا ما بدا لي تَعاظَمْتُه ** فأصدر في حال من لم يرد

.تفسير الآيات (38- 39):

{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}
إذا سَعِدَتْ الأقدامُ بحضور ساحاتِ الشهود، وعَطِرَتْ الأسرارُ بنسيم القُُرْب تجرَّدَتْ الأوقاتُ عن الحجبة، واستولى سلطان الحقيقة، فيحصل التنفِّي من هذه الأوصاف المذمومة.
وقال تعالى لنبيِّه: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ}: بالوحي والإعلام، ولأوليائه تعريف بحكم الإلهام.

.تفسير الآية رقم (40):

{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}
جَوَّزوا أن يكون لله- سبحانه- ولدٌ، وفكَّروا في ذلك، ثم لم يَرْضَوْا حتى جعلوا له ما استنكفوا منه لأنفسهم، فما زادوا في تَمَرُّدِهم إلا عُتُوَّا، وفي طغيانهم إلا غَلُوَّاً، وعن قبول الحق ِّ إلا نُبُوَّاً.

.تفسير الآيات (42- 43):

{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}
بيَّن أنه لو كان الصانعُ أكثرَ من واحدٍ لَجَرَى بينهم تَضَادٌ وتمانُعٌ، وصحَّ عند ذلك في صفتهم العجزُ، وذلك من سِمات المحدثات.
ثم قال سبحانه- تنزيهاً له عن الشَّريك والظهير، والمعين والنظير.

.تفسير الآية رقم (44):

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}
الأحياءُ من أهل السموات والأرض يُسَبِّحون له تسبيحَ قالة، وغير الأحياء يسبح من حيث البرهان والدلالة. وما من جزءٍ من الأعيان والآثار إلا وهو دليل على الربوبية، ولكنهم إذا استمعوا توحيداً للأله تعجبوا- لجهلهم وتَعَسُّر إدراكهم- وأنكروا.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)}
أي أدخلناك في إيواءِ حفِظْنَا، وضربنا عليك سرادقاتِ عصمتنا، ومنعنا الأيدي الخاطئةَ عنك بلطفنا.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)}
صَرَّح بأنه خالقُ ضلالتهم، وهو المبيت في قلوبهم ما استكنَّ فيها من فرط غوايتهم. {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ في القُرْءَانِ وَحْدَهُ} أحبوا أن تذكر آلهتهم، قد ختم الله على قلوبهم فلا حديثَ يُعْجِبُهُم إلاَّ مِمَّنْ لهم شَكْلٌ ومِثْلٌ.

.تفسير الآية رقم (47):

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)}
لَبِّسُوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحوالَهم، وأظهروا الوفاقَ من أنفسهم، فَفَضَحَهم اللَّهُ تعالى، وكَشَفَ أسرارَهم، وبَيَّنَ مقابِحَهم، وهَتَكَ أستارهم، فما تنطوي عليه السريرة لابد أن يَظْهَر لأهل البصيرة بما يبدو على الأسِرَّة.

.تفسير الآية رقم (48):

{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}
عابوه بما ليس بنقيصةٍ في نفسه حيث قالوا: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} أي ذا سِحْرٍ. وأيُّ نقيصة كانت له إذا كان صلى الله عليه وسلم- من جملة البَشَر؟ والحقُّ سبحانه وتعالى متولٍٍ نصرته، ولم يكن تخصيصه ببنْيَة، ولا بصورة، ولا بِحِرْفةٍ، ولم يكن منه شيء بسببه وإنما بَانَ شرفُه لجملة ما تعلَّقه به لُطْفُه القديم- سبحانه- ورحمتهُ.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}
أقَرُّوا بأنَّ الله خَلَقَهم، ثم أنكروا قدرته على إعادتهم بعد عَدَمِهم، ولكن.. كما جاز أن يوجِدَهم أولاً وهم في كتم العَدِمِ ولم يكن لهم عين ولا أثر، ولكنهم كانوا في متناول القدرة ومتعلق الإرادة، فَمِنْ حَقِّ صاحبِ القدرة والإرادة أن يعيدَهم إلى الوجود مرة أخرى وهكذا إذا رَمَدَت عينُ قلبٍ لم يستبصر صاحبه.